مقالات رأي

العقربي: هذه أخطر محاولات التخريب في وزارة الداخلية منذ 14 جانفي

     لا شكّ و لا اختلاف في أنّ الهدف من التحوّلات السياسية منذ 2011 هوّ ضرب أركان الدّولة لتكون لقمة سائغة لصنّاع السياسات و ساحة مفتوحة للقوى الدولية.

   في هذا السياق العام تعرّضت الأجهزة و في مقدّمتها وزارة الداخلية لمحاولات تفكيك و اختراق بشتّى السبل و انطلقت الحرب على الجهار ببرقيات التقاعد الوجوبي و التي شملت ما يتجاوز ال100 من من خيرة الكفاءات من الضبّاط السامون و الضبّاط القادة الذين تلقّوا تكوينا عاليا في المدارس العسكرية المحليّة و الأجنبيّة و تمّ إعدادهم ليكونوا عقل الجهاز و جهاز التحكّم الذي يضمن نجاعته و تماسكه ، توازيا مع ذلك تمّ حلّ جهاز أمن الدولة تحت ضغط الحقوقيين المأجورين و بتواطؤ أطراف سياسية بعينها و كلّ ذلك بحجّة الديمقراطية و الانفتاح السياسي و الحال أنّ كبرى الديمقراطيات في العالم تحتكم على أعظم أجهزة أمن الدولة و أنّ الضمان الحقيقي لتركيز أمن جمهوري هوّ الأمن القومي و ما دون ذلك من خيارات يفتح الحدود و البلاد على مصراعيه لكلّ أنواع الاختراق و التآمر .

التلاعب بالرّتب والتعيينات بالموالاة.. أخطر محاولات التخريب

    دخلت البلاد مرحلة المحاصصات السياسية و تقاسم الغنيمة و تمّ نقل الصراع إلى داخل الجهاز و تمّ استبعاد معايير الكفاءة و النزاهة لصالح معايير أخرى و أصبحت التعيينات تتمّ حسب الموالاة للأطراف السياسية الحاكمة آنذاك و حصلت موجة نقل رهيبة داخل الجهاز و انحصر دوره في الاستجابة للنزعة المطلبية فتمّت الموافقة على كلّ مطالب النقل كيفما كانت و حيثما كانت مع الأخذ بعين الاعتبارات بكلّ الاعتبارات إلاّ مصلحة الجهاز.

    أخطر محاولات التخريب هوّ التلاعب بالرتب في سلك انضباطي وهذا ما تمّ بالفعل داخل الجهاز ، تلك الرتب السامية التي كانت في السابق تسند وفق معايير مشدّدة و يتطلّب الوصول لها كفاءة و انضباطا و تضحية لعقود أصبحت متاحة للجميع و “أصبح القائد الموهوب كالمقاوم” على حدّ تعبير القبّاني .

    هذه الاجراءات أحبطت الضباط السامون و الضباط القادة بعد أن تساوت رتبهم بمن كانوا بالأمس القريب يأتمرون بأوامرهم و تواصل التلاعب بالرّتب إلى أن انقلب الهرم و أصبح عدد الضباط أكثر من أعوان التنفيذ علما و أنّ ما لا يختلف فيه إثنان أنّ هؤلاء الضبّاط السامون دورهم الحقيقي هوّ أن يكونوا عقل الجهاز الذي يضع سياساته و تكتيكاته لمواجهة التحدّيات التي هيّ أكثر من أن تحصى (التطرّف / المخدّرات/ارتفاع منسوب الجريمة …) و دورها هوّ إعادة التماسك للنسيج المجتمعي و استعادة هيبة الدّولة و الحرص على حسن إنفاذ القوانين.

    هذا التلاعب الذي أنتج عدم التناسق بين الرتبة و الوظيفة أدّى إلى مشاهد مخزية لا يمكن أن تحصل في دولة تحترم نفسها و جهازها من ذلك أن ترى ضبّاط سامون ينظمّون السيارات في مستودع أو يقفون على قارعة الطريق للقيام بإجراءات أمنية روتينية لا تستحقّ خبرة عالية و يمكن أن يقوم بها من دخل اليوم إلى الجهاز.

    إنّ وقوف ضبّاط سامون لتنظيم مستودعات السيارات لكائن من كان هوّ رسالة سلبيّة لشباب الجهاز و للمواطن عموما وهي عمليّة ترذيل للعمل الأمني في وقت تحتاج فيه البلاد أكثر من أيّ وقت مضى لهذه الكفاءات الاستثنائية.

النقابات الأمنية تحولت لبؤرة تنخر جسد الجهاز والسلطة تدخلت لإيقاف النزيف

     النقابات الأمنية و التي اتّجهت في البداية للدفاع عن المطالب المشروعة لأبناء الجهاز (تحسين ظروف العمل -الزيادة في الأجور- مطالب اجتماعية …) تحوّلت هيّ الأخرى إلى بؤرة تنخر جسد الجهاز و وقعت في فخّ ما سمّي بتصحيح المسار لتنتج مسارا خاطئا يعمّق حالة التفكيك داخل الجهاز و يفقد الرتب الأمنية قيمتها و وزنها و إن كان ذلك بشكل مختلف و انتهت إلى من انتهت إليه اليوم من الفساد و الافساد لتتدخّل السلطة لايقاف هذا النزيف و محاكمة الذين خرّبوا الجهاز و تلاعبوا بهيبته.

رسالة واضحة لسلطة القرار لمراجعة كلّ التعيينات و الاعفاءات التي تمّت من 2011 إلى 25 جويلية

    إن الغاية من كتابة هذا المقال ليس تحليل الوضع داخل الجهاز و لا تقديم قراءة و معطيات يعلمها القائمون على الدولة و لكنّ توجيه رسالة واضحة لسلطة القرار لمراجعة كلّ التعيينات و الاعفاءات التي تمّت من 2011 إلى 25 جويلية و المناظرات التي حصلت و البحث عن المسؤولين عن الاختراقات الحاصلة و ارتباطها المباشر بالسلطة السياسية التي حكمت البلاد و بأجندتها الجاهزة لتفكيك جهاز الأمن الذي يمثّل العمود الفقري لقيام الدّولة برمّتها .

وجّهنا رسالة لرئيس الجمهورية نحثًه فيها على إعادة جهاز أمن الدّولة

   لقد وجّهنا في مقال سابق رسالة لرئيس الجمهورية نحثًه فيها على إعادة جهاز أمن الدّولة حتّى يمسك بالجهاز و يضع التقارير اللازمة أمام السلطة السياسية لتتمكّن في اتّخاذ القرارات اللازمة في وقتها و بالنجاعة المطلوبة.

   عمليّة جربة لن تربكنا.. ولا بدّ من استعادة جهاز أمن الدّولة

عمليّة جربة التي حصلت منذ أيّام و قام بها منتدب في 2016 تكمن خطورتها في أنّها تمّت على يد من يرتدي زيّ دافعت عنه رجال بأرواحها حتّى يرفرف ذلك العلم عاليا رغم كلّ المؤامرات الاقليمية و الدولية و لما في ملحمة بن ڤردان دروس في الشجاعة و الوطنية و في أحداث سليمان و في غيرها …

    هذه العمليّة لن تربكنا و لن تدخل إلينا الشكّ في الجهاز الأمني الذي جعل من تونس استثناءا لكلّ دول المنطقة التي لم تنج من الحروب الطاحنة و التي لا تزال إلى اليوم، هذا الجهاز الذي شهدت بصلابته كلّ الدنيا لا يمكن إلاّ أن نحافظ عليه و نجعله أكثر قوّة و نجاعة من خلال مراجعة التعيينات و الانتدابات و الارتباطات المشبوهة بين أطراف معلومة داخل الجهاز مع جهات متطرّفة و مصنّفة و ما ارتبط بذلك من عمليات خطيرة (مشتريات و تجهيزات …) بعدما خرّبوا ما خرّبوا تمّت مكافأتهم ببعثات خارج الوطن ليقفل الملفّ مرّة و إلى الأبد . لا بدّ من استعادة جهاز أمن الدّولة و محاسبة كلّ من أجرم في حقّ و في هذا لا حصانة لأحد و لا فضل لأحد على أحد .

    ختاما لا يمكن الحديث عن دولة قويّة دون جهاز أمن صلب و لا عن مخطّطات اقتصادية و لا عن مكافحة للجريمة المنظّمة في غياب عقول و كفاءات جهاز الأمن الداخلي الذين جعلوا من هذا الوطن آمنا منفتحا متسامحا لعقود بشهادة الخارج قبل الداخل بفضل ما راكم أبناء الجهاز من خبرات و تجربة و ما قدّموا من تضحيات تضيق بها هذه الأسطر و في النهاية تبنى الأمم على رمزياتها و قياداتها الأمنية و العسكرية و المدنية و خلاف ذلك مغالاة و مزايدة لمن اعتادوا على التغريد خارج السرب.

   سليم العڤربي – جمعية موطن الياسمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى